|
.
يمتد إقليم طاطا على مساحة قدرها: 25925 كلم مربع من السفوح الجنوبية إلى الأطلس الصغير إلى مشارف الصحراء المحررة ، و يبلغ عدد سكانه 121618 نسمة، منها 82558 نسمة في المجال القروي مقابل 39060 نسمة في المجال الحضري حسب إحصاء عام 2004 . تحده أقاليم تيزنيت وكلميم غربا وإقليم تارودانت شمالا وإقليمي زاكورة و ورزازات في الشمال الشرقي وإقليم أسا الزاك جنوبا والحدود المغربية الجزائرية في الشرق والجنوب الشرقي. ويتوزع سكان الإقليم بين أربع بلديات: طاطا وأقا وفم الحصن وفم زكيد و16 جماعة قروية وأزيد من 250 مدشرا.
يعد إقليم طاطا من أقدم مراكز العمران البشري في المغرب ، حيث استقر فيه الإنسان منذ عهود موغلة في القدم و هذا ما تؤكده النقوش الصخرية والأدوات الحجرية التي توجد في جميع أنحاء الإقليم. وقد ظل طوال عدة قرون واحدا من المحاور الرئيسة للتجارة الصحراوية القديمة ، وقناة من أهم القنوات التي تتعامل من خلالها المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء المغربية. فمنذ ما قبل التاريخ كان ممرا لما يسمى بطريق العربات، التي سميت فيما بعد بطريق اللمثونيون، وازداد دوره أهمية في هذا المجال خصوصا بعد بناء مدينة تمدولت الشهيرة زمن الأدارسة، المدينة التي كانت من أهم محطات القوافل المتجهة إلى السودان قدوما من باقي أرجاء المغرب، وظل يضطلع بهذا الدور إلى حدود القرن التاسع عشرالميلادي ، وساهم في نقل التأثيرات الحضارية بين المغرب وإفريقيا.
وإلى جانب ذلك ساهم إقليم طاطا في بناء الثقافة والحضارة الإسلامية في المغرب بوساطة زواياه ومدارسه العتيقة المتعددة التي ازدهرت فيها الحركة العلمية ، وبلغ بعضها درجة كبيرة من الشهرة وذيوع الصيت، وقدمت رجالات وشخصيات علمية مرموقة أمثال عبد الله بن ياسين والشيخ التمنارتي وأحفاده ومحمد بن مبارك الأقاوي وحفيده سيدي عبد الله بن مبارك وعلماء آل حسين بطاطا وعلماء الأسر اليعقوبية بإمي نتاتلت إلخ.
وهكذا فعراقة تاريخ الإقليم وأدواره الاقتصادية والعلمية ، والدينية وتعدد المشارب العرقية والحضارية لسكانه، كلها عوامل أعطته رصيدا تراثيا مهما ومتنوعا.
- المآثر التاريخية :
يتميز إقليم طاطا برصيد أثري غني يقف شاهدا على تاريخه الحضاري العريق ، ويحكي للزائر عن تجارب وآفاق الإنسان بالمنطقة، ومن أبرز تلك المآثر التاريخية ما يلي:
أ- مواقع آثار ما قبل التاريخ :
تم التعرف على عدد مهم من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ على طول وادي درعة. تحتوي هذه المواقع كميات مهمة من الأدوات الحجرية التي صنعها إنسان ما قبل التاريخ من الصلصال. وقد استخدمت لأغراض مختلفة مرتبطة بأحجامها وأشكالها المتنوعة، وهي شبيهة بالأدوات الحجرية الأخرى الموجودة في مواقع ما قبل التاريخ بالمغرب. هذه الأدوات عبارة عن أحجار مصقولة استعملت للقطع كالسكاكين أو للصيد كرؤوس الرماح والسهام، إضافة إلى استعمالها كأدوات لتصليح جلود الحيوانات أو الحفر والنقش على الحجر.
على الرغم من الافتقار إلى المعلومات الكافية الخاصة بصانعي هذه الأدوات ، وبتطور ظروف حياتهم وعيشهم نتيجة لقلة الدراسات المعمقة في هذا المجال ، فإن بعض الملاحظات الأولية لهذه القطع الحجرية المستصلحة أكدت على انتمائها إلى العصر الحجري القديم الذي قد يصل تاريخه إلى أكثر من مليون سنة قبل الميلاد. ويتضح من خلال مساحة الرقعة الجغرافية الشاسعة التي تغطيها مواقع هذا العصر على طول حوض وادي درعة ، أن إقليم طاطا لم يعرف استقرارا بشريا منذ أكثر من مليون سنة فحسب بل و عرف أيضا تواجدا مكثفا للعنصر البشري على نطاق واسع.
وإن دل هذا على شيء ، فإنما يدل على توفر ظروف عيش جد ملائمة آنذاك بالمنطقة سمحت للإنسان الحصول على حاجياته الكافية من الماء والغذاء في بيئة مطيرة ومعشوشبة. ولعل ما يؤكد هذا الطرح الرسوم المنقوشة على الصخر بعدد مهم من المواقع على طول جبل باني وجوانب نهر درعة. من بين هذه الرسوم حيوانات متنوعة كالفيلة ،الزرافات، الأيل، الثور، وحيد القرن، الغزال، الضبي ، النعام... وهي توحي بما كان يزخر به الإقليم من المياه والغابات في فترة ما قبل التاريخ.
تعد هذه الرسوم أو النقوش الصخرية إضافة إلى الأدوات الحجرية إحدى أهم معالم الموروث الثقافي التي يزخر بها الإقليم. ومن أهم المواقع التي تحتضن عددا مهما من الصخور المنقوشة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: المواقع المحيطة بجماعات تكزميرت ، أديس ،أم الكردان قرب مركز الإقليم ، المواقع المجاورة لجماعات تمنارت ، سيدي عبد الله بن مبارك ، تيزونين ، أيت ، ابلي ، بلديتي أقا وفم الحصن التابعة لدائرة أقا إضافة إلى مواقع جماعتي تسينت وألكوم بدائرة فم زكيد.
وإذا كان الموضوع الأساسي البارز على الصخور المنقوشة يصور لنا الحيوانات، فإنطريقة تصوير هذه الأخيرة تختلف من موقع إلى آخر. فأحجامها قد تكون صغيرة أو كبيرة مزينة بالخطوط والنقط أو مصقولة. و هناك نقوش أخرى تصور مشاهد للصيد نرى فيها شخصا أو مجموعة من الرجال في مطاردة لحيوان أو قطيع من الحيوانات. و هي مشاهد مهمة بالنظر إلى تعبيرها عن طرق ممارسة الصيد، إحدى الأنشطة البارزة التي طبعت حياة إنسان العصر الحجري الحديث (7000 إلى 2000 سنة قبل الميلاد).
في حين أن بعض النقوش الأخرى تكتسي أهمية خاصة لكونها تمثل أحرفا من الكتابة الأمازيغية القديمة المعروفة باسم تيفناغ . وبابتكاره لهذه الطريقة الجديدة في التواصل يكون إنسان المنطقة قد خرج بذلك من عصور ما قبل التاريخ إلى الفترة التاريخية.
|
|